فصل المقال في المسألة الطائفية

Posted on سبتمبر 22, 2011

0


أنا عن نفسي انتهيت من مشكلة الطائفية في سوريا ولن أشغل رأسي بنقاشها مع أيّ يكن، رغم أنّ هذا إقصاء، هناك مسائل لم تعد تقبل النقاش! سأدوّن أسبابي ومنطقي

تقوم نظرية الطائفية في سوريا فرضية سأقسمها إلى قبل الثورة وبعد الثورة:

قبل الثورة تفترض هذه النظرية أنّ: “في الستينيات تشكّل تكتل للضباط العلويين في الجيش استقطب الأقليّات على حساب الضباط السنّة تطوّ ر ليصبح حالة سيطرت على الجيش، بالذات أنّ دخل العلويون وقتها في الجيش بأعداد كبيرة لأسباب طائفية، وبالتالي سيطرت (الطائفة لا النظام) على مفاصل الدولة، وبعد أن قضى على بقايا أي معارضة (الإسلاميين أولاً ثمّ الشيوعيين والبقية) استفرد بانفوذ نهائيّاً ووزعه على أبناء طائفته فسيطر على الجيش والدولة، والمرحلة الثالثة كانت دخول العلويين في السوق كتجار منافسين للسنة)

لنفترض أنّ النظرية صحيحة، أسأل: لماذا قتل الأسد الشباطيين؟ لأنهم سنّة؟ أم لأنّهم ناصريون؟ لماذا عاقب بشدّة صلاح جديد “العلوي”؟ ثمّ لم بادر إلى الورقع الطائفية قبل أي أحد ليدفع بالبعض إلى رد طائفيّ اتخذه النظام ذريعة أمام الأقليّات والتقدميّين بشكل عام ليرتكب ما ارتكب؟ ما حقيقة دخول العلويين في الجيش؟ وسيطرتهم على الدولة والسوق؟

بداية، قتل البعثيون الناصريين الشباطيين، لم يكن الدافع طائفيّاً، الناصرية انتشرت في المدن والبعثية في الريف، وبالطبع الوصف الطائفي هو من إبداعات عهد حافظ الأسد، لأنّه أغلق باب الاتهامات بالديكتاتورية عن طريق الجبهة الوطنية التقدمية التي وجد فيها ناصريون وشيوعيون، كبديل مزعون للناصرين والشيوعيين والبعثيين المعارضين أو المنافسين (كصلاح جديد)،
ولكي يكمل بناء مملكته ويغلق منافذها أفقر عمداً أبناء الضيع العلوية، ولا تزال العديد من القرى دليلاً على هذا الكلام بينما ينعم الضابط الفاسد بفيلا وعدّة سيارات وكذلك رجل الأمن والجمارك الفاسدين. ألا يغري كلّ هذا الإنسان؟ لهذا تطوّع العديد من الفقراء في الجيش، ولأنّ العلويين مهمّشون أكثر وأفقر من باقي الشعب احترف بعضهم مهنة “الدفاع عن النظام” بصفته نظام فاسد يحمي الفاسدين. لا نظاماً يحمي العلويين. بقيت مشكلة واحدة يجب على حافظ الأسد أن يتخلص منها، الإسلاميون. وهي مقدمة أحداث الثمانينات، عندما رمى ورقة الطائفية عن طريق شقيقه “الأرعن” الذي تسبب بردّ فعل طائفيّ كذلك فاستغلّه كمبرّر ليرتكب ما ارتكب في حماة وفي السجون. وبعد أن أجهز على الشيوعيين في 1987 لم يعد هناك من ينافسه. إذ أنّه أقنع الأقليات إلى حدّ كبير بأنّه يحميهم. وأقنع الإسلاميين أنّه طائفيّ فحوّل مصطلحات “الإسلاميين” إلى “السنّة” و”الطبقة الحاكمة” إلى “العلويين”.
أمّا الدولة فلا يسيطر عليها العلويون بل الجيش والأمن والحزب، الثلاثي الذي يمسك بكل مقدّرات الدولة مكرّس بالكامل لتأمين ثروة العائلة المالكة، إذ أنّ الفساد منتشر بين جميع الموظفين من جميع الطوائف وهو مورد رزق الناس الأساسي، إنّ دخول أبناء الريف (من جميع الطوائف) في الوظائف الأمنية خدمهم ليدخلوا في وظائف مدنية، لأن الجيش والأمن يسيطران على الدولة.
أمّا عن السوق، رامي مخلوف هو أوضح مثال على سيطرة النظام على السوق، عندما أسّس المافيا الشهيرة، مافيا الإصلاح التي ضمّت الدردري والحسين (ديريّة) وحمشو (دمشقي) والأخرس (حمصي) ودعبول (قلموني) وهي ما قونن سيطرة السوق على الدولة وسيطرة الأسرة الحاكمة على السوق، بصفتها مافيا. وبقيت العديد من القرى في كل أنحاء سوريا تحت خط الفقر بكثير لأنهم لم يخرّجوا حرامي على ذلك المستوى.

ممارسات النظام الطائفية لا تنتهي، لكنّ هذا هو المنطق الذي يتعامل به النظام ليحافظ على بقائه، وما الأسطر الأخيرة إلّا دليلاً على أنّ النظام برع في إدخال هذه النظرية في عقلنا الجمعيّ فاضطررنا، ولو على مضض، لاستخدامه يوماً ما، كأن ننقض هذا المنطق من الداخل. وما استجابتنا لهذا المنطق إلّا نصرٌ للنظام.

حسناً، هذا قبل الثورة، أمّا بعد 15 آذار تتطوّر الفرضية إلى: “النظام الطائفي شدّ حوله الطائفة العلوية التي تتكون من شبيجة ومستفيدين ونساء تشتم على تلفزيون الدنيا والدليل أنّ الشبيحة يتطوعون وأنّ الأحياء العلوية لا تتظاهر”

هنا أسأل: على فرض أنّ النظام شدّ الطائفة حوله، كيف فعل هذا؟ من هم الشبيحة أصلاً ومن هم الآن؟ ما الذي أدّى إلى زيادة شعبية النظام مؤخّراً بين الأقليّات؟

النظام قويّ للغاية، كان قويّاً حتى شباط 2011 على الأقل وانطلق من موقع قوّة بينما انطلقنا من موقع ضعف لكن حماس. عندما خرجت بانياس كان الاختبار الطائفي الأول الذي نجحنا في تخطيه معاًـ ثم حمص واللاذقية، عندما بدأت المظاهرات حاول النظام جاهداً أن يسبّب احتكاكاً طائفيّاً عبر العديد من الوقائع الموثقة وفشل فيها، فلجأ إلى التصعيد الفجائي. حيث بدأ تزيد أعداد شهداء الأمن والجيش من أبناء القرى، وبدأت تصل جثث شباب أرعبت الناس وجعلتهم يتوقفون عن التعاطف مع الثورة، أي أنّ الشعب ابتلع الطعم إلى حدّ ما. أي أنّ النظام فشل في أغلب الأحيان بجرّ الشعب إلى السلاح لكنّه نجح إلى حدّ متوسط في إقناع أبناء الطائفة أنّهم مستهدفون، أخرج مظاهرة طائفية عددها عشرات في جبلة، أنزل شبيحة من القرى إلى بانياس وتلكلخ بصيغة طائفيّة، دسّ من حرق محلّات السنّة في شارع الحضارة وحرّض بطرق أخرى.
مثالي على هذا الكلام هو اعتصام حمص، مرّة أخرى سأذكّر بأنني أعرف شباباً علويين كانوا معتصمين، وكان معي بعضهم، طبعاً إضافة إلى الآخرين من أبناء “أقليّات أخرى”. يومها وجّه شاب على المنبر تحية لأبناء سوريا جميعاً وبالذات العلويين المشاركين في الاعتصام وصفّق الجميع وهتفوا “واحد واحد واحد” و “إيد وحدة” كان نبذ الطائفية واضحاً في الاعتصام. لكن من كان في حمص يذكر ما حصل مباشرة بعد فتح النار على المتظاهرين، بدأت سيارات تجول الأحياء وتبثّ نداء “حيّ على الجهاد” جميعنا نعرف أنّ الأمن افتعل هذا، لكنّي رأيت إحدى المناطق المؤيدة يومها، نزل الناس إلى الشارع حاملين أسلحة صيد ورشاشات وتمركزوا في أحيائهم ليشكّلوا ما أسموه “لجان شعبيّة” وعلى عكس لجان الصليبة الشعبية، كانت بمباركة الأمن. كان الخوف في عيونهم واضحاً وهم يشتمون صوت “حيّ على الجهاد” القادم من خلف تلك الأبنية، كان واضحاً أنّ هناك العديدين من الطائفيين بين أبناء الشعب السوري، الفرق هو أنّ الطائفيين المؤيّدين يمسكون بالسلاح. لن أخوض في مدى صحّة معتقدات هؤلاء أو أسبابها، فهي ليست منطقية هي غريزية، هم كانوا البارحة في جنازة ابن حارتهم الذي توفي في درعا برصاص “العصابات المسلحة” واليوم يسمعون بأذنهم هذا الصراخ! بالطبع سيصدّقون. لأنّهم خائفون. تماماً كردّات الفعل الني حصلت عندما حمل بعض الشباب السلاح ثأراً أو دفاعاً عن النفس في وجه النظام. وكانت هذه الحالات فرديّة.
السيناريو نفسه حدث في بانياس عندما تغلب المتظاهرون على الطائفية، قطّعت بعض الجثث وأرسلت إلى قراها، عندما لا يشاهد أبناء هذه القرية جنازة الشاب على الجزيرة أو أي من المحطات التي تغطي الثورة ستفقد هذه المحطات مصداقيتها. بالتالي سيزيد التطرّف، لأنّ الدنيا تأخذ طرفاً واحداً وكذلك الفضائيات، وزيادة التطرف هي من أهم متطلبات بقاء النظام، إن خسر خوف الأقليات خسر استقراره في مناطق عديدة، فبرع في استفزازهم، جسر الشغور مثلاً، لا يزال أهل من قتلوا في جسر الشغور حاقدين على النظام والعصابات المسلحة بسبب فشل النظام في مكافحة قتلة أبنائهم. إذاً، لم يبق على النظام سوى تطويع مدنيين متأثرين بكل المعطيات السابقة متراكمة ليصبحوا شبيحة جدد (يعني ببلاش).

هذه المبرّرات المباشرة للتجييش الطائفي على جهة النظام، وهي ما سبّبت تجييشاً طائفيّاً محدوداً في الأطراف الأخرى، أمّا عن مدى هذا التجييش ومدى مشاركة الأقليّات بشكل عام والعلويين بشكل خاص في الثورة:

مدى التجييش الطائفي كبير لكن مدى الاستجابة العملية له ضعيفة، بما معناه: جميعنا يعلم ما معنى السلاح، أي تأثير السلاح على الأرض مقارنة بالمظاهرة، لهذا يظن البعض أن كل الشباب العلويين هم جزء من “منظمة الشبيحة” التي تدار من طرف ما وتموّل وتنظم من طرف ما، والحقيقة أنّ الشبيحة هم تطوّر لما كان مرافقة زعران مافيا السلطة، والتشبيح هو النهب والتهريب والإرهاب. وهذا المصطلح منتشر في الساحل منذ أيام رفعت الأسد وهم مكروهون من الجميع، لأنهم مهربون وأصحاب سوابق ومجرمون. تسبّبت الأحداث الأخيرة بانتشار هذا المصطلح بعد أن استغلّ النظام وجود الشبيحة ليقوموا بأعمال القتل اللاذقية وبانياس، بيتما سمع الناس في باقي سوريا الخبر أصبح المصطلح يمثّل كل من يقمع الشعب (من أي طائفة تكن)، كآل برّي وغيرهم. في هذا السياق تحمّس بعض الشباب الذين استجابوا للتجييش فعلاً وحملوا السلاح لنفس الأسباب التي ذكرت أعلاه، لكن بدعم الدولة ظهرت الحالة أكبر مما هي عليه، ولعلّ قتل الشباب في حمص لأحد الشبيحة من أسرة العكاري سبب لانسحاب الشبيحة من المواجهات، وهو دليل على ضعفهم وتشتتهم والشك بولائهم إلى درجة ما.

عن مشاركة الأقليّات بالثورة، في بداية الثورة أطلقها شباب بينهم علويون ودروز و و و.. لم تبدأ في درعا فقط بل في دمشق أيضاً، عدد كبير منهم يعملون على الأرض في دمشق، اسأل أهل القابون عن الذين شاركوا في عزائهم، ادخل يوتيوب وابحث عن مظاهرات مدينة سَلَمية وسترى الحجم الحقيقي الذي تتجاهله الجزيرة لسبب ما، شاركت كذلك السويداء بشكل محدود. هناك حيالين، مسيحيو حماة، مصياف، استضاف الأغلبية أهل حماة يوم نزحوا، في وادي العيون ومصياف وسلمية، الاحتقان يظهر في حمص والساحل والقرى التي تغزوها الشبيحة، أمّا الشعب العاديّ فلا يكرتث بالمؤامرة رغم المشاعر الطائفية، حتى لو اقتنعوا بالمؤامرة فهم يقتنعون بأجزاء منها وليس كاملها، يعرفون أن الدنيا حمقاء لكنّهم يعرفون أن الجزيرة ظلمتهم. ولم يروا بأعينهم (هذا أهم جزء) ما حدث، بعيد عن العين بعيد عن القلب. كلّ هذا لا يبرّر الطائفية . لكنّه يضعها في سياقها المناسب وهو ما يخفّف من أضرارها إلى حدّ بعيد.

بالطبع يمكن لكم أن تتوقعوا الطائفية المعاكسة، “المجوس أو الصفويين” مصطلحات تستخدم على الإنترنت وأنا أرفضها لأنها تكمل الحلقة المفرغة الطائفية. الطائفية سبيل للعنف العشوائي، ورد الفعل والأخذ بالنتائج بدل الأسباب قد يسبّب كوارثاً في البلد أكبر من التي نعاني منها أصلاً. دولتنا كانت يوماً ما مدنية وشعبنا دائماً ما كان متمدّناً، الحل الطبيعي للسوريين هو الدولة التي تحترم الجميع ويحترمها الجميع، لأننا هكذا، بدأنا الزراعة والقرية فالمدينة، القائد الخالد حكم سوريا 40 عاماً، 40 عاماً فقط

النفس الذي كتبت به هذه التدوينة غريب عليّ صراحة، عندما عدت لأقرأها قبل النشر اليوم لم أشعر أنّها تناسب لغتي الطبيعية أو منطقي في التفكير، لكنّ الضرورات تبيح المحظورات. أردت عرض وجهة النظر الطائفية ونقضها وأتمنى أن أكون وفّقت لأنّي أرى في هذا وصفة شخصية لحلّ جزء من المشكلة. لا يجب أن نفكّر كما أراد لنا “القائد الخالد” أن نفكّر!

Posted in: رأي